الخبير الأمنى الدكتورعادل عامر يكتب للانباء : المال السياسي في
الحياة البرلمانية
الخبير الأمني الدكتور
عادل عامر
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الإنسان
مع كل انتخابات برلمانية يطل علينا المال
السياسي بالملايين من الجنيهات من قبل بعض المرشحين للانتخابات بمجلس النواب بحثاً
عن شراء المقاعد النيابية بالمال الحرام والطرق غير المشروعة دون ان يكون لهم خبرة
في العمل العام او السياسي ومبادئه وتقاليده متصورين أن الفهلوة هي الحل من خلال
أساليب التضليل والنفاق والكذب مستخدمين أنصاف الرجال المأجورين دون مبادئ بحثاً
عن المصالح الشخصية والانتهازية.
لابد من ايجاد أليه لتفعيل القانون الذى
حدد عقوبة الشطب ضد كل من يستخدم المال السياسي لأنه يسعى الى تحذف مصطلح المال
السياسي من قاموس دولة مصر الحديثة، هو توجه للرئيس السيسي أرساه منذ توليه
المسئولية، عندما كشف أنه ليس له حزب سياسي، ويقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب
السياسية، وأن ظهيره الشعب المصري، يرجع إليه في أي وقت يحتاج إلى رأيه، المال
السياسي هو المسئول الأول عن زواج المال بالسلطة في العهد الماضي، ففسد المال،
وفسدت السلطة، وفسدت الحياة السياسية، وثار الشعب عندما وصل الأمر إلى توريث
الحكم، بعد سيطرة فصيل واحد على مفاصل الدولة، وعلى الأغلبية الميكانيكية الكاسحة
في البرلمان، وترتب على ذلك تهميش الأحزاب السياسية، وتحويل البرلمان إلى «ختامه»
لقرارات الحكومة،
إن مصر تسير على الطريق الصحيح بقوانين غير
مسبوقة للانتخابات تطمئن الناخب بأن صوته في الصندوق هو ما ستعلن عنه النتائج، دور
لهيئة الوطنية للانتخابات وقانونها الذى يحتوى على ضمانات عالمية يحقق الاستقرار
السياسي الحقيقي للانتخابات التي ستتسم بالنزاهة والشفافية،
وهو ما تبناه الرئيس السيسي فى بناء دولة
ديمقراطية عصرية يسود فيها الاستقرار السياسي. كل ذلك يؤكد أن تأثير المال السياسي
سيكون من رابع المستحيلات فى المرحلة الحالية بعد أن كان أحد مساوئ العهد الماضي
فى جميع الانتخابات التى أجراها، وكان أخطرها عام 2010، يكثر الحديث الآن في
وسائل الإعلام عن استخدام مصطلح المال السياسي ، الذي يقصد به ذلك التزاوج الغير
مشروع ما بين المال والسياسة ، فاستخدام المال السياسي هو من أجل تحقيق العديد من
الأهداف ، والتي على رأسها الوصول إلى الحكم أو الاستمرار فيه ، ومن أجل أيضا
الحصول أو الإبقاء على كراسي المجالس النيابية أو البلدية أو غيرها من مواقع الجاه
والوجاهة .
وجرت العادة أن تظهر مظاهر المال السياسي
بشكل عام في كل من الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية وحتى النقابية ،
ويستخدم المال السياسي كذلك عند تقديم القروض والمعونات من قبل الجهات المقرضة أو
المانحة وذلك للضغط على الدول الأخرى من أجل تبني سياسات معينة قد لا تعني شعوب
تلك الدول بشيء. فعلى سيبل المثال تستخدم الدول الكبرى والمهيمنة في العالم المال
السياسي تحت مسميات مختلفة منها المساعدات والمعونات ، ولكن كلها في الغالب بهدف
فرض قيود وسياسات معينة تفيد الدول مقدمة تلك المساعدات أولا وأخيرا . وكذلك تقوم
أيضا جهات التمويل العالمية والمسيطر عليها من قبل القوى الكبرى بفرض سياساتها وهي
سياسات اقتصادية مجحفة على الدول الأخرى ، وكلها لجر تلك الدول للعمل في فلكها
وتتبع سياسات معينة تفرضها عليهم .وكذلك تستخدمه الدول الدكتاتورية من أجل
استمرارها في الحكم ، ولذلك تلجأ إلى محاولاتها المستميتة إلى رشوة بعض شرائح
المجتمع الفاعلين من أجل مدحهم وتسويق سياساتهم ومواقفهم والتصويت لزبائنهم وهكذا
.
وكذلك يستخدم المال السياسي بعض رجال المال
والأعمال الذين يطمحون للوصول إلى مواقع سياسية معينة مثل كرسي في مجلس النواب أو
ما شابه ذلك ، وذلك لاستمالة الناخبين واستغلال حاجة بعض الأفراد للمال أو
المعونات من أجل أن يصوتون إليهم وينتخبونهم لهذا الموقع أو ذالك . ومثال ذلك ما
هو متعارف عليه على سبيل المثال في إحدى البلدان ب ( الزفت ) بمعنى تزفيت إحدى
الشوارع بهدف كسب تأييد الناس ، أو توزيع كوبونات شرائية وتقديم بعض الأطعمة
والحلويات وما شابه ذلك . ويعد أيضا من أمثلة المال السياسي صرف ملايين الجنيهات
على الإعلانات المرئية منها والمقروءة سواء تلك التي في الشوارع والميادين أو في
الصحف والإذاعة والتليفزيون أو على مواقع التواصل الاجتماعي ، وكذلك استغلال بعض
المرشحين لبعض الكتبة لمدحهم بمقابل مادي وليس على أساس الكفاءة أو الخبرة أو
البرنامج الانتخابي ... الخ .
وبكل تأكيد فان لتلك الظواهر العديد من الآثار
السلبية على الاقتصاد والمجتمع ، فان صرف المال السياسي بهذه الطريقة يمثل رشوة
وتبادل للمنافع الشخصية عل حساب المصلحة العامة ، وهو بكل تأكيد كسب غير مشروع
واستغلال لحاجات البعض ، وهو يساعد على نشر ثقافة الرشوة والتشجيع على شراء الذمم
وتكاثر الفاسدين . ومن هنا فان محاربة ومواجهة هذه الظاهرة هو واجب الجميع من خلال
العودة إلى منطق المصلحة العامة ، والى الفوز بالمقعد النيابي أو غيره من خلال
العمل الجاد المخلص والبرامج العملية التي تخدم المواطنين والدول صاحبة الشأن لما فيه
خير مواطنيها ، وكل ذلك من خلال نشر الديمقراطية والحرية والنزاهة بشكل حقيقي .
فبالأمس صدر تقرير مهم من "الاتحاد العربي
لمكافحة الجرائم الاقتصادية وغسيل الأموال" حول حجم الأموال التي تم إنفاقها
في الدعاية الانتخابية لبرلمان مصر 2015 بمرحلتيه الأولى والثانية ، وقدر التقرير
حجم هذه الأموال بحوالي 20 مليار جنيه ، وهى تقديرات ليست نهائية قد تزيد عن هذا
الرقم بكثير ، فحجم الأموال التي يتم صرفها لا تظهر بالشكل الحقيقي ، بسبب عدم
وجود رصد ومتابعة حقيقية وآلية للرقابة على حجم هذه الأموال ، وابتكار أشكال جديدة
من الدعاية لم تظهر من قبل في الانتخابات المصرية .
فعلى سبيل المثال لجأ أحد المرشحين إلى حيلة
ووسيلة جديدة في الدعاية ، حيث استأجر طائرة هليكوبتر تطوف في سماء دائرته لإلقاء
الهدايا والبيانات والدعاية الانتخابية على أهالي الدائرة ، ومرشح آخر اصطحب أسدا
داخل قفص حديدي في جولته الدعائية وسط حراسة أمنية ، ومرشح أعلن عن تحمله تكلفة
إجراء عمليات جراحية مجانية لحوالي 500 شخص ، وأحد المرشحين أعلن تحمله تكلفة
العمرة لحوالي 500 شخص من أبناء دائرته . كل ذلك بالإضافة إلى المال المباشر الذي
يتم توزيعه مقابل التصويت للمرشح وهى الظاهرة المستمرة من المرحلة الأولى ومن
الانتخابات السابقة ، وإن كنا نتوقع أن الانتخابات الحالية لن يظهر فيها المال
السياسي بهذا الحجم .
إن الأرقام مزعجة وتثير تساؤلات كثيرة حول هذه
الأموال ، ومن أين تأتى هذه الأموال ، ولماذا تنفق بهذا الشكل وما النوايا الخفية
من إنفاقها . هذا جرس إنذار مبكر للدولة بأجهزتها التنفيذية ، خاصة أجهزتها
الرقابية حتى لا يتحول البرلمان المقبل إلى وسيلة فساد جديدة من قبل الذين أنفقوا
20 مليار جنيه في الانتخابات ،
فلابد أن تعلن الدولة عن كيفية محاسبة
النائب ومطالبته بتقديم إقرار ذمة مالية لحظة دخوله البرلمان وفى كل عام ، وإعادة
النظر في مسألة الحصانة بأنها لصالح النائب داخل البرلمان وتحت القبة فقط ، ولا
يصطحبها معه إلى خارج البرلمان في المصالح الحكومية وغيرها لتحقيق مصالحه الشخصية
، ومحاولة تعويض ما خسره وأنفقه في الانتخابات البرلمانية .
إن القضية خطيرة ، وعلى الحكومة دراسة ظاهرة
المال السياسي بعد أن تم الانتهاء من الانتخابات البرلمانية ، وكيفية تحجيم هذه
الأموال العشوائية ، وتوظيفها لصالح مشروعات قومية وليس لصالح أغراض خاصة . فهناك
حجم سيولة مهولة داخل الدولة ، والحكومة ليس لديها الوسائل لتوظيفها داخل القنوات
الشرعية لها وليس في سراديب الاقتصاد الأسود والمال السياسي الحرام .
إن البرلمان المقبل سيظل تحت المنظار
والمتابعة والمراقبة ، والنواب سيتم مراقبة سلوكهم وتصرفاتهم خارج البرلمان . فهل
ينجح النواب في إجهاض المخاوف وإثبات أنهم أنفقوا هذه الأموال من أجل الصالح العام
وخدمة أبناء الدائرة وخدمة الوطن ، أم أنهم سيخيبون الظن بهم ويعيدون إنتاج فساد
ما سبق من ظاهرة نواب الأراضي و نواب القروض ونواب المخدرات ... الخ.
إن شراء الأصوات والمال السياسي ظاهرة لا تقل
في خطورتها علي الحياة السياسية وعلي المرحلة الراهنة من عمر البلاد عن خطر
الإخوان ، وتعد هذه الظاهرة الأبرز بعد اختفاء الإخوان من المشهد السياسي ولكنها
لا تختلف كثيرا عن الزيت والسكر واستغلال الفقر الذي يعاني منه قطاع عريض من الشعب
.
أننا هنا نعلن الحرب علي المال السياسي وشراء
أصوات الناخبين ، إذ انه ليس بهذا الشكل تبني الأوطان ، ونتساءل ما فائدة ثورتين
وانتخابات برلمانية ومجلس نواب مبني علي الغش والرشوة ولا يعبر عن إرادة شعب
لطالما حلم بمستقبل أفضل تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة للمواطنين
، ويدافع فيه مجلس النواب عن حقوق وحريات القطاع الأكبر من الشعب وهم الفقراء
والبسطاء . إن مجلس النواب لابد أن يبني علي إرادة الشعب لا حاجته ، فماذا سيقدم
نائب دفع من أمواله الخاصة لشراء أغلبية أصوات ، هل سيحقق منفعة لنفسه أم منفعة
للشعب .
إن المشكلة الكبرى في سيادة ثقافة الفساد
وانتشارها بين قطاعات واسعة ومختلفة ، وعدم اقتصارها على المرشحين ، بل إن بعض
المواطنين يشتركون في الجريمة من خلال تقبلهم لمبدأ بيع الصوت ومن خلال إقدامهم
على مد أيديهم للمرشحين ، ومن خلال سعي بعضهم للبحث عمن يشتري ، والمبادرة بالعرض
بلا وازع من ضمير أو خلق أو دين ، فهؤلاء وأمثالهم يستحقون التوقيف والمساءلة
والعقاب بالقدر نفسه الذي يستحقه أصحاب المال السياسي والقضية المهمة التي يجب
الالتفات إليها ، أن صناعة هذه الثقافة قد تمت في مراحل سابقة تحت بصر الجهات
الحكومية والرسمية ودرايتها التامة ، مما جعل هذا الأمر مستمرا ومشروعا لدى بعض
القطاعات والشرائح ، ومما أسهم في زيادته وشيوعه وخضوعه لعمليات تطوير مذهلة وصلت
إلى حد الإبداع والإتقان الذي يصعب كشفه ويصعب محاربته واجتثاثه .
إن طي صفحة الماضي ، وطي صفحة المال السياسي
الذي لعب دورا وما زال يلعب حتى هذه اللحظة لن يتم بتلك السهولة التي يتوقعها
البعض ، ولن يتم بمجرد رغبة المسئول في وقت ما وفي موقع ما ، وإنما تأتي المعالجة
الصحيحة لهذا الشأن الخطير، ضمن منظومة متكاملة من الإصلاحات الشاملة التي تتناول
الجانب التشريعي والقانوني ،
كما تتناول الجوانب الأخرى السياسية
والاقتصادية والاجتماعية ، بحيث تصبح نقطة تحول جذري تطال منهجية إدارة الدولة
وطريقة تشكيل الحكومة ، وطريقة اختيار أصحاب مواقع المسؤولية في كل مفاصل الدولة
ومؤسساتها ، لأنّ الفساد منظومة متكاملة ترسخت عبر الزمن وتجذرت وأصبحت متخفية في
أودية ثقافية وأعراف وتقاليد شائعة اكتسبت عبر الزمن مزيدا من شرعية التقبل
الاجتماعي عبر الممارسة المتكررة المسكوت عليها .
فلا بد إذن من اتخاذ قرار توافقي حاسم ،
تشترك فيه كل الأطراف السياسية والمكونات الاجتماعية بالاعتراف بالأخطاء السابقة
والانتقال نحو مرحلة جديدة كليا ، بوجوه جديدة ومنهجية جديدة وتشريعات جديدة
وثقافة جديدة وسياسات جديدة قادرة على بناء دولة مصر الحديثة ، الخالية من الفساد
والفاسدين وخالية من دور حيتان المال الفاسد بشكلٍ جذري وقطعي ، وقبل ذلك ترسيخ
معاني الانتماء الوطني الحقيقي الذي يخلو من الانتماء المصلحي واعتبار مصر مجرد
بقرة حلوب أو مرفق لقضاء الحاجة .
إن الظروف السائدة في المنطقة تتطلب الدفع
بنواب أقوياء لسدة البرلمان قادرين على التعامل مع هذا الواقع ، والقيام بمهامهم
التشريعية والرقابية بكفاءة واقتدار، ورغم أن شبح المال السياسي لن يغيب بالكامل
مهما فعلنا ، إلا أن الرهان والتحدي والمسؤولية هو على المصريين جميعا وعلى أصحاب
الشأن وكل من لديه ذرة من المسؤولية وحب الوطن وتمنى رفعته للحد منه .