الخبير الأمنى المستشارالدكتور عادل عامر يكتب للانباء : العلاقة بين فساد الآباء وإجرام الأبناء
بقلم :الدكتور عادل عامر
خبير في جرائم أمن المعلومات لدى مركز جنيف للتحكيم الدولى ومستشار تحكيم دولى لدى الهيئة المصرية الدولية للتحكيم
هذه المقالة تعبر عن رأى الكاتب وعلى مسئوليته دون تدخل من الموقع...
أن
فساد نظام الأسرة يرجع في الغالب إلى عدم مبالاة الآباء أو إهمالهم، ففي كثير من
الأسر لا يبذل الآباء جهداً كافياً في سبيل تهذيب أبنائهم والإشراف عليهم، وبمجرد
أن يصبح الأبناء قادرين بدنياً على الاعتماد على أنفسهم فإنهم يتركونهم وشأنهم دون
رقابة أو توجيه.
ونتيجة
لذلك يجد الأبناء أنفسهم على اتصال بأشخاص خارج المنزل ويصبح صيرورتهم مجرمين
أولاً متوقفاً على نوع النماذج التي يصادفونها في المجتمع الخارجي.
وهذا
الإهمال من الآباء في تربية أبنائهم يصاحبه في الغالب سلوك إجرامي من جانب الآباء
أنفسهم، ومن المحتمل كذلك أن يتحقق هذا الإهمال في الأسر التي تنتمي إلى أدنى
المستويات الاجتماعية والاقتصادية وتقيم في المناطق الموبوءة المكتظة بالسكان أكثر
مما يتحقق في عائلات الطبقة المتوسطة.
وتبعاً
لذلك فإن احتمال ارتباط الطفل ـ الذي يهمل آباؤه تربيته ـ بكثير من نماذج السلك
الإجرامي يكون احتمالاً كبيراً، وثمة مشكلة أخرى تنصل بنظام الأسرة وتربية الأبناء
وتبدو في عائلات المهاجرين.
فالآباء
الذين يكونون ناجحين في معاملة أبنائهم وتهذيبهم في المجتمع الريفي، يجدون أنفسهم
عاجزين عن ذلك متى هاجروا إلى مجتمع حضري، ويرجع السبب في ذلك من ناحية إلى جهل
الآباء بظروف الحياة الاجتماعية في المدينة وسرعة إدراك الأبناء لهذه الظروف الأمر
الذي قد يحمل الأبناء على النظر إلى آبائهم نظرة استخفاف أو سخرية.
ومن
ناحية أخرى إن افتقاد المهاجرين مساندة العائلة الكبيرة والجماعة التي يستعينون
بها في مجتمعهم الأصيل يضعف من مدى وفاعلية رقابتهم لأبنائهم.
ونتيجة
لهذه الصعوبة التي تواجهها الأسرة المهاجرة في تربية أبنائها والإشراف عليهم، فإن
هؤلاء الأبناء سوف لا يحظون بمساعدة فعالة في توجيه سلوكهم ويجدون أنفسهم على
ارتباط بكثير من النماذج الإجرامية التي يصادفونها في المجتمع الحضري.
كذلك
من المشاكل التي تتصل بتربية الأبناء مشكلة الأطفال الذين ينشأون في مؤسسات
الرعاية كالأيتام واللقطاء. حيث أنه من بين 84 من الأطفال الذين حرموا من آبائهم
في سن مبكر وبلغوا سن الثامنة عشرة دون إيداعهم في ملاجئ للأيتام لم يحظ 18% منهم
فقط بتقويم كاف، في حين أن 34% من بين 96 طفلاً من نفس النوع سبق إيداعهم في ملاجئ
للأيتام لمدة خمس سنوات أو أكثر لم يحظوا بهذا التقويم.
والواقع
أن الأطفال الذين ينشأون في مؤسسات الرعاية لا يكتسبون في الغالب الشعور
بالطمأنينة والثقة بالنفس، كما أن الكثيرين منهم يزجون بغير تحصين كاف في ارتباط
مع المجرمين والنماذج الإجرامية، ويسود الاعتقاد كذلك بأن الأطفال الذين يحرمون من
آبائهم ويتولى الغير تربيتهم يميلون إلى الإجرام أكثر من غيرهم من الأطفال، غير
أنه من المتعذر التحقق من مدى صحة هذا الاعتقاد نظراً لعدم وجود المقارنات الصحيحة
بين الأحداث في خصوص هذه المسألة، وقد يكون من العسير للغاية اختيار العينات
الملائمة التي تجري عليها هذه المقارنات.
ومن
المحتمل أن يكون هذا الاعتقاد مبنياً على ملاحظات عارضة خاصة بأطفال حرموا من
آبائهم وأصبحوا مجرمين، حقيقة الدور الإجرامي للبيئة العائلية.. من التحليل السابق
لظروف البيئة العائلية وعلاقتها بالإجرام يمكننا أن نستخلص خمس حقائق رئيسية في
شأن الدور الإجرامي لهذه البيئة، نوجزها فيما يلي:
1
ـ إن الطفل يمكنه أن يستوعب أثناء وجوده بمنزل أسرته عن طريق ملاحظة الآباء وغيرهم
من الأقارب بعض التصرفات الإجرامية ونماذج السلوك الإجرامي، وهو حينئذ يصبح مجرماً
لأنه تعلم أن يكون كذلك في بيئته العائلية.
2
ـ إن الآباء يحددون على السواء الموقع الجغرافي للمنزل والمستوى الاجتماعي للأسرة،
وموقع المنزل له أهميته الكبيرة في تحديد نماذج السلوك التي قد تحيط بالطفل، فإذا
كان المنزل في منطقة ترتفع فيها نسبة الإجرام فإن احتمال مواجهة الطفل لنماذج
عديدة من السلوك الإجرامي يكون أكبر مما لو كان المنزل في منطقة تنخفض فيها نسبة
الإجرام، وبالمثل إن انتماء الطفل إلى أسرة ذات مستوى اجتماعي واقتصادي منخفض قد
يؤثر كثيراً على إنكاره أو تقبله للقيم السائدة في المجتمع.
3
ـ إن أسرة الطفل قد تحدد له المكانة الأدبية لمختلف الأشخاص وكذلك أنماط الأشخاص
الذين تربطه بهم فيما بعد علاقات وثيقة فقد يتعلم الطفل في أسرته الابتعاد عن
الغرباء أو تجنب أفراد أقليات معينة أو رجال البوليس أو غيرهم، وقد يتعلم أن يقدر
الناس بحسب مظهرهم وملبسهم ولهجتهم أو مهنتهم، وهذا التقدير يؤثر فيما بعد على مدى
تقبله أو طرحه لنماذج السلوك التي يواجهها في المجتمع.
وبتعبير
آخر إن الطفل يتعلم في أسرته عدم المبالاة بما يبديه بعض الأشخاص من نماذج للسلوك
إجرامية كانت أو غير إجرامية وأن يهتم بالعكس اهتماماً كبيراً بتلك النماذج التي
تصدر عن أشخاص آخرين.
4
ـ إن الطفل قد يجد نفسه مضطراً إلى هجر أسرته بسبب ما يواجهه فيها من ظروف أو
خبرات غير مرضية، وقد يجد نفسه رغم بقائه في منزل أسرته مضطراً إلى الانعزال عن
أفرادها والانطواء على نفسه بسبب تخلف الخبرات السارة، فقد يهرب الطفل من منزل
عائلته أو يبقى فيه ولكن في شبه عزلة عن أفرادها رغم استمراره في تناول الطعام
والنوم معهم،وهذه العزلة عن العائلة من المحتمل أن تؤدي إلى زيادة ارتباطات الطفل
بالنماذج الإجرامية وتقلل من ارتباطاته بنماذج السلوك القويم، ومع ذلك فمن المتصور
في بعض الحالات أن تؤدي هذه العزلة إلى نتيجة عكسية، فقد تكون البيئة العائلية ذات
طابع إجرامي وحينئذ يؤدي انعزال الطفل عنها إلى زيادة ارتباطاته بالنماذج غير
الإجرامية.
5
ـ إن الأسرة قد تفشل في تدريب أبنائها على علاج المواقف التي تواجههم في المجتمع
بكيفية تتفق مع القانون، فقد لا توجد في البيئة العائلية نماذج إجرامية، ولكن
تتخلف فيها في نفس الوقت النماذج غير الإجرامية.
وهذا
الفشل في تقديم نماذج غير إجرامية يرجع إلى نقص في الإشراف على الأبناء وتوجيههم
إما بسبب عدم وجود الأبوين أو بسبب عدم اهتمامهم، وأما بسبب حمايتهم المفرطة
لأطفالهم في صورة عدم إطلاع الأبناء وإفهامهم لأنواع السلوك الإجرامي التي من
المتوقع أن تواجههم في المجتمع فيعملوا على مقاومتها، الأمر الذي يكون من نتيجته
أن يفشل الطفل في تنمية العوامل التي تحول بينه وبين الإجرام تلك العوامل التي من
المفروض أن ينميها في بيئته العائلية، والواقع أن معظم العوامل التي تساهم في
إجرام الأحداث يمكن إرجاعها إلى الحقيقتين الرابعة والخامسة السابق شرحهما.
فاشتغال
الأم خارج المنزل، ووفاة الأب، وعدم مصادفة الطفل للظروف الملائمة في منزل العائلة،
وعدم مبالاة الآباء بسلوك أبنائهم أو صرامة النظام الذي يفرضونه عليهم وقسوته، كل
هذه العوامل تدخل في إطار الحقيقتين الرابعة والخامسة.
وهاتان
الحقيقتان تبدو أهميتهما في أن انعزال الطفل عن أسرته أو عدم مواجهته في بيئته
العائلية بقدر كاف من نماذج السلوك غير الإجرامي من شأنه أن يضاعف من احتمال
اتصاله بالمجرمين والتمثل بنماذج السلوك الإجرامي، ويمكن القول بأنه إذا كانت
الأسرة تقيم في وسط لا توجد به نماذج للسرقة فإن أبناءها لن يرتكبون هذه الجريمة
مهما بلغ إهمال الآباء لهم وبالرغم من كون الظروف في المنزل غير مرضية.
وهناك
بعض الأحياء المنعزلة يهمل فيها الآباء مراقبة أبنائهم، ويسيئون معاملتهم، ويكونون
في حالة فقر مدقع، ويدمنون على السكر، ورغم هذه الظروف العائلية السيئة لا يسلك
الأبناء سلوكاً إجرامياً. عقدة أوديب وعلاقتها بإجرام الأحداث:
وبالإضافة
إلى الحقائق الخمس السابقة هناك حقيقة تبدو لها بعض الأهمية في تحديد السلوك
الإجرامي للحدث، هي أن الطفل قد يتعود في الأسرة عدم الطاعة، والنفور من السلطة.
ويفسر
علماء النفس اعتياد الطفل على عدم الطاعة بعقدة أوديب ويعتبرونها السبب الرئيسي في
الإجرام، وتتكون هذه العقدة من كراهية الابن لأبيه بسبب منافسته له في محبة أمه
وتودده لها وكونه السلطة العليا في المنزل.
ويحول
الابن كراهيته لأبيه إلى كراهية للسلطة والنفوذ وميل إلى عدم الطاعة حينما يصبح له
نشاط في المجتمع الخارجي، غير أنه من العسير أن نحدد مدى التحول المذكور في إحساس
الطفل، إذ من الملاحظ أن كثيراً من الأطفال الذين يعلنون التمرد والعصيان في منزل
عائلتهم يسلكون سلوكاً قويماً في منازل الجيران أو في المدرسة.
التوتر النفسي والاضطرابات العاطفية
إن
التوتر النفسي والاضطرابات العاطفية في منزل العائلة تساهم في إجرام الأبناء.
فمما
لا شك فيه أن التوتر النفسي الذي ينتج من المحاباة أو النبذ أو عدم الطمأنينة أو
الشدة البالغة في المعاملة أو الإثارة أو غير ذلك من الظروف المماثلة أمر يميز
كثيراً من الأسر ويؤثر على كثير من الأطفال، ويذهب علماء النفس إلى أن المجرم مصاب
باضطراب عاطفي مرجعه اضطرابات عاطفية في الأسرة، وهم بهذا الاضطراب يفسرون عادة
إجرام الأحداث، وإذا تساءلنا عن العلاقة بين التوتر النفسي للمجرم واضطرابه
العاطفي وبين ارتكابه الجريمة لوجدنا الإجابة على ذلك في إطار الحقيقتين الرابعة
والخامسة السابق إيضاحهما.
فهذا
التوتر النفسي والاضطراب العاطفي للأبناء إذا كان من المحتمل أن يدفعهم إلى
الإجرام فإنما يكون ذلك في حدود ما قد يترتب عليه من انعزال الطفل عن أسرته وتبعاً
زيادة ارتباطاته بنماذج السلوك الإجرامي وفشل الأسرة في إفهامه للنماذج الإجرامية
التي من المتوقع أن يقاومها وتحصينه ضدها.
ولكن
التوتر النفسي للطفل واضطرابه العاطفي لا يؤدي بالضرورة لصيرورته مجرماً. ويكفينا
تأييداً لذلك أن نلاحظ أن الفتاة التي لا تجد عطفاً وحنواً في منزل أسرتها قد
تصادف هذا العطف والحنو في علاقات غير مشروعة مع الصبية.
ولكنها
قد تصادفهما أيضاً خلال مباشرتها لأوجه النشاط المشروع في المدرسة أو في المجتمع،
وعليه نعتقد أنه إذا كان من المحتمل أن يكون للتوتر النفسي والاضطراب العاطفي
الذين يصيبان الطفل نتيجة للظروف الشاذة في منزل الأسرة أهمية في تسبيب الجريمة
فإن ذلك لا يكون إلا في إطار الحقيقيين الرابعة والخامسة السابق شرحهما ولكن لا
باعتبارهما سببين قائمين بذاتهما.