بقلم / أ.د الهلالى الشربينى الهلالى وزير التربية
والتعليم السابق
لاشك أن الثَّقافة تمثل الطريق إلى التميز والإبداع فى
كل مناحى النشاط الإنسانى ؛ ومن ثم فهى تمثل أحد الأسس الجوهرية ، والأعمدة
الأساسية في أي بناء حضاري ؛ وحيث إن أى ثقافة غالبًا ما لا يمكن أن تنمو وتزدهر
بمعزل عن الدين، فقد ارتبط انتشار الثقافة العربية وسيادتها وتحولها إلى ثقافة
عالمية إنسانية ، أفادت البشرية فى زمن ازدهارها فى كل مناحى
الحياة من علوم ومنتجات ومبتكرات وقيم وأخلاق وفلسفة وحكمة بظهور الإسلام
وانتشاره.
والواقع أن أزمة الثَّقافة العربيَّة المعاصرة ، تعد
جزء لا يتجزأ من أزمة القوميَّة العربية التى لم يتفق العرب يومًا على مفهومها
وحدودها ، بسبب الذاتية والأنانية والقطرية وأحيانًا التبعية
والبعد عن إعمال العقل والعلم واحتضان التفكير الخرافى، هذا بالإضافة إلى طبيعة
البنية الاجتماعيَّة المتوارثة منذ مئات السنين، والتى تتسم بالثبات والخضوع، وفى
بعض الأحيان بالامتثال والاستسلام والبعد عن حقائق العصر وتحدياته.
ومع بدء سياسة الانفتاح فى منتصف سبعينيات القرن الماضى،
واستيعاب إسرائيل لدرس الحرب فى 1973 ، والتخطيط والتنسيق مع الغرب لنهب الثروات
وتدمير الجيوش والتحكم فى المقدرات ، وعودة نفر غير قليل ممن تعلموا فى الغرب
وانبهروا بما رأوه أو عايشوه من سلوكيات ، توقفت المجتمعات العربية تدريجيًا عن
الإنتاج وتحولت إلى الاستيراد والاستهلاك ، وظهرت جماعات ونزعات للتعصب
الطائفى ، والتطرف الدينى ، وصارت
للإرهاب حضانات تفرخ إرهايين لتنفيذ تخريب وقتل وتدمير يحتمى كذبًا بالدين.
وقد نشطت تلك الجماعات ، لكنها
حول نفسها تمحورت وبمفاهيمها المتوارثة القديمة تمسكت، وصارت تلك الجماعات ، مثل
أولئك الذين أشار إليهم أفلاطون وفرانسيس بيكون ، بأنهم كمن
دخلوا كهفًا وأداروا ظهورهم إلى فتحة الخروج فلم يروا إلا ظلامًا أو ظلالاً ، تنعكس
على الجدار الداخلى من المارة بالخارج مضافًا إليه مخزون أنفسهم ، ومع ذلك تخيلوا
أنهم توصلوا إلى اليقين وحقائق الوجود ، وأسرار التقدم والتطور
والسيادة وكيف يكون الخلود.
وخشية أن تقتلع تلك الجماعات رياح التغيير ، القادم
بقوة من الغرب مدفوعًا ومعززًا بمفاهيم ومصطلحات جديدة لم تكن مألوفة ، من
قبل مثل العولمة والكوكبة والعالمية والكونية، وانهيار أيديولوجيات وامبرإطوريات،
مثل الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتى، وسيطرة أخرى مثل الرأسمالية
والإمبريالية والصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية ، زاد
رد فعلها فانتشرت على المستوى العربى والإقليمى والدولى ، موجات
التعصب والإرهاب.
وفى ضوء ما
تقدم ، نرى أنه قد أصبح لزامًا على العرب أن يُعيدوا
النظر فى مفهوم الثقافة العربية وأزمتها ، فى ظل القطرية والدولة
القومية وأمنها المنشود ؛ فيُحددون من أين يبدأ وأين يتقاطع وأين ينتهى، وبالطبع
لن يتحقق ذلك من غير أن يحددوا مواطن القصور ، ويغيروا من رؤيتهم الثقافية
فيستبدلوا مناهج وطرائق التدريس ، ويعيدوا الأنشطة والإنضباط إلى
مؤسسات التعليم كى يتبدل جهلهم بعلم ، وفقرهم بغنى ؛ وأنانيتهم بتعاون وتكامل
وتكافل، وهنا فقط تتحول الثقافة العربية إلى أفعال ومنجزات وإسهامات حقيقية على
أرض الواقع ، وتصبح قادرة على التأثير فى كل التيارات الفكرية العالمية والإقليمية
والمحلية ، فى كل مناحى الحياة سواء السياسية أو الاقتصادية أو
العسكرية أو غيرها .